كتابات اقتصادية
عبدالرحمن بجَّاش: أنا مقهور!!

وقبل أيام صحوت مبكراً وذهبت إلى باب اليمن، كان اليوم يوم إجازة عيدية، وأول ما لاحظت هناك نظافة المساحة التي أمام باب اليمن، ونظرت شزراً إلى المبنى إلى اليسار من الباب، فتولاني شعور بالغثيان لبشاعته!! وجدت صاحبي هائل الذي لا يزال شاباً من هيئته وذهبنا نتذكر أيام باب اليمن، يوم أن كانت صنعاء تتمدد بين الباب والميدان!! جلت بنظري داخل المكان، فلاحظت ألاَّ أثر لأي صورة، كنت أنوي كتابة تحقيق وأستفيد من الصور للعيد الخمسين لسبتمبر، قلت أحدّث نفسي : أكيد نُقلن إلى المخزن، فسألت، وصُعقت وضاق بي الأستوديو، سألت هائل : أين صور زمان؟ وقد أحس أنني جئت من أجلها : أخي «لفلف» كل الصور والأفلام وحفر حفرة هناك قريب الصعدي وأحرق كل شيء، يا للهول – على طريقة عميد المسرح العربي يوسف وهبي – صرخت أعماقي : وأين هو؟
– مات.
آح، قلتها للعم هائل : ليش يا هائل، ليش؟ ظللت لدقائق أحدّثه بلا رغبة في الحديث، ولولا مراعاة دواعي الاحترام لصرخت في وجهه : لماذا؟ ليس الذنب ذنب هائل، بل ذنب التخلف الذي يعمي أبصارنا، ذنب الثقافة والمتحف العسكري، ذنب الحساسية الفجة تجاه هذا وذاك نتيجة ما حدث في الستينيات، ذنب الجهل بأهمية الأشياء، لا أوجه اللوم لهائل الذي يبحث عن لقمة عيشه وقد يكون معذوراً، إذ مَن الذي يهمه أمر الصور؟ فالمارّة يبحثون عن اللون!! خفت أن أسال وأينما كان على واجهات فاترينات أستوديوهات أروى وبلقيس والنجم، ولقطات الرموش والسريحي وغيرهم؟
يا رب، لِمَ نهدر تاريخنا بأيدينا؟ حتى تلك اللقطات النادرة التي كانت وراء زجاج أستوديو عبدالرحمن أحمد عمر في الشيخ عثمان، تبخرت ولا جهة اشترتها ولو بفلوس الأرض، أنا متاكد لو أن متحف عدن العسكري طلبها من الرَّجُل قبل أن يتوفاه اللَّه لأهداها بدون مقابل، الآن أولاده تخلصوا منها ربما في أقرب برميل قمامة!! وهم الآخرون معذورون، لأن لا أحد قال لهم هذا تاريخ ونحن سنحفظه لكم ولنا، إذا كانت مقهاية الشهداء قد أزيلت في الشيخ عثمان – حسب زميلي صالح الدابية – وتحول المبنى الجديد إلى لوكندة والدكة التي كان الشيخ الحكيمي في دار سعد يستقبل عليها ضيوفه تحولت إلى مكان لبيع قصب الحيوانات، يا اللَّه… والتاريخ كله إلى مجرد ذكرى!! كم أنا مقهور، وكم أَدْعُ لك بطول العمر يا أبانا القاضي علي أبو الرجال، فجميلك على رؤوسنا، ولا رحم اللَّه مَن اختصروا الوطن بمقاسهم ومسحوا كل ذكرى لمن قدموا حياتهم في الجبال!! ويا قهري.